مشاريع الرحاب السكنية

عامٌ دراسيّ "كارثي" بانتظارنا: على أيّ كوكب يعيش الوزير؟



 على طريقة بيانات حكومة الرئيس حسان دياب، لغةً وشكلًا ومضمونًا، وتحت شعار "التعليم المدمج"، أصدر قبل يومين وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، طارق المجذوب، بيانًا أعلن فيه بدء العام الدراسي 2020 - 2021، ابتداء من الأسبوع الأخير من أيلول بشكل تدريجي، و"اعتماد التعليم المدمج الذي يجمع بين الحضوري وعن بُعد، وتقييم الوضع الصحي بعد ثلاثة أسابيع. وفي حال كان أسوأ فإنّ الاتجاه سيكون للتعلّم عن بعد".  


وإذا أردنا التعليق على بيان الوزير نقطة نقطة، وهو محفوف بالتناقضات، لا بدّ من السؤال أولًا: هل يحتاج لبنان - الذي صار يسجل أرقامًا قياسية بعدد المصابين بفيروس "كورونا" - مغامرة ثلاثة أسابيع بحضور الطلاب إلى المدارس، حتّى يقيّم الوضع الصحي إن كان يتجه للأسوأ؟  




يتابع الوزير بيانه مشيرًا إلى تداعيات انفجار مرفأ بيروت على القطاع التعليمي، وقد "بلغ عدد المدارس الرسمية المتضررة في التعليم العام 92 مدرسة، كما تضررت خمسة مجمعات تابعة للتعليم المهني والتقني الرسمي، تضم نحو 20 معهداً ومدرسة فنية، فيما تضررت 67 مدرسة خاصة. وقد تنوعت هذه الأضرار بين جسيمة ومتوسّطة وبسيطة".  




الوزير الذي قدّم عرضًا معلوماتيًا لأرقام المدراس المتضررة، يعلن من بعدها التماشي مع توصيات اللجنة الوطنية لمتابعة كورونا، "إلى تأمين تعليم نوعي ومرن، على أن نعتمد نظام التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، بطريقة تحفظ التباعد وتراعي التدابير الصحية، لجهة التعقيم وغسل اليدين والحضور في غرف الصفوف، وفي وسائل النقل المدرسية".  



وبعيدًا عن السؤال حول آلية فرض التباعد بين الطلاب حتى لو كان في الصف الواحد 15 طالبًا بدلًا من 30 طالبًا، كيف سيتحقق "التعليم المدمج" في المدارس المتضررة داخل بيروت؟ هل ستنهي جميعها أعمال التصليح والترميم في نهاية أيلول لتفتح أبوابها أمام الطلاب؟ 




إنترنت وكهرباء؟

وأيضًا على طريقة السلطات المتعاقبة، التي ترفع نداءات الإستغاثة إلى الخارج باسم الشعب، لتغطية عجزها وفسادها، أطلق المجذوب في بيانه "دعوة دولية ومحلية إلى جميع الأصدقاء في العالم لتأمين التجهيزات والكمبيوترات الشخصية"(!). وأعلن متابعة وزارته مع الوزارات والإدارات المعنية "لتأمين خدمة الإنترنت للطلاب مجاناً والسعي إلى تأمين الكهرباء بصورة أفضل، لكي تنجح عملية التعليم بشقيها المدمج أو عن بعد، لا سيما وأننا ننتظر أعداداً إضافية من التلامذة في المدارس والمعاهد الفنية الرسمية".

لم يشرح المجذوب "إلى أي خارج" يستغيث، ولا "من هو الخارج" الذي سيسارع حاملًا التجهيزات والكمبيوترات لمئات آلاف الطلاب اللبنانيين تلبيةً لندائه، ولا إلى كيفية تأمين خدمة الانترنت مجانًا وتحسين التغذية الكهربائية، في بلدٍ عجز شعبه على تحقيق هذين المطلبين البديهيين ودفع دمًا وأرواحًا لأجلهما منذ 17 تشرين الأول 2019!




السيناريو الكارثي

قد يكون "التعليم المدمج" هو الخيار الأمثل عالميًا في ظلّ تفشي جائحة "كورونا"، لكن في بلدٍ طبيعي وليس في لبنان. هذا المقترح "الهشّ" الذي قدّمه الوزير، لم يلحظ أبدًا تحديات أخرى أشدّ صعوبة، تواجه أهالي الطلاب والمعلمين والإدارات معًا. فعلى مستوى الطلاب وذويهم، لم يتطرق المجذوب على الأقل لقضية أسعار القرطاسية والكتب المدرسية، التي بلغت سقوفًا خيالية نتيجة تدهور الليرة، لا سيما بعد فشل مناقصة مشروع الحسم لطباعة الكتاب المدرسي الوطني، الذي تعتمده المدارس الرسمية وعدد من المدارس الخاصة. ورغم إشارته "إلى أننا ننتظر أعداداً إضافية من التلامذة في المدارس والمعاهد الفنية الرسمية"، وهي عمليًا تُقدّر بعشرات الآلاف، لم يتطرق المجذوب إلى العدد الفعلي للطلاب المنتظر نزوحهم من التعليم الخاص إلى الرسمي، وإن كانت الدولة قادرة على حجز مقاعد لهم وكيفية توفير "التعليم المدمج" في ظل اكتظاظ المدارس الرسمية بما يتجاوز قدرتها الاستيعابية المعهودة، ما قبل زمن الانهيار والانفجار و"كورونا".  



وفي السياق، يشير نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود لـ"المدن"، أن الخيار الذي توجه إليه الوزير المجذوب، هو نتيجة ما فرضته الظروف، لا سيما على المستوى الصحي. فـ"سيناريو التعليم المدمج ما زال قيد الدرس، لأن المشاكل قد تبقى نفسها لا سيما على مستوى الجهوزية، ومن المفترض أن يكون الأسبوع المدرسي هو ثلاثة أيام بدل خمسة".


جنى الدهيبي - المدن

ليست هناك تعليقات